الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع
.فَصْلٌ: فِي الْإِقْطَاعِ: فِي الْإِقْطَاعِ وَقَدْ قَسَّمَهُ الْأَصْحَابُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إقْطَاعُ تَمْلِيكٍ وَإِقْطَاعُ اسْتِغْلَالٍ، وَإِقْطَاعُ إرْفَاقٍ وَقَسَّمَ الْقَاضِي إقْطَاعَ التَّمْلِيكِ إلَى مَوَاتٍ وَعَامِرٍ، وَمَعَادِنَ وَجَعَلَ إقْطَاعَ الِاسْتِغْلَالِ عَلَى ضَرْبَيْنِ عُشْرٍ، وَخَرَاجٍ (وَلِلْإِمَامِ إقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيهِ)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْعَقِيقَ وَأَقْطَعَ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ أَرْضًا» وَأَقْطَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَجَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ.(وَلَا يَمْلِكُهُ) أَيْ الْمَوَاتَ (بِالْإِقْطَاعِ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ مَا جَازَ اسْتِرْجَاعُهُ (بَلْ يَصِيرُ) الْمُقْطَعُ (كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ)؛ لِأَنَّهُ تَرَجَّحَ بِالْإِقْطَاعِ عَلَى غَيْرِهِ وَيُسَمَّى تَمَلُّكًا لِمَا لَهُ إلَيْهِ.(وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَ إلَّا مَا قَدَرَ) الْمُقْطَعُ (عَلَى إحْيَائِهِ)؛ لِأَنَّ فِي إقْطَاعِهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ تَضْيِيقًا عَلَى النَّاسِ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ.(فَإِنْ أَقْطَعَ) الْإِمَامُ أَحَدًا (أَكْثَرَ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَى إحْيَائِهِ (ثُمَّ تَبَيَّنَ عَجْزُهُ عَنْ إحْيَائِهِ اسْتَرْجَعَهُ) الْإِمَامُ مِنْهُ كَمَا اسْتَرْجَعَ عُمَرُ مِنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ مَا عَجَزَ عَنْ عِمَارَتِهِ مِنْ الْعَقِيقِ الَّذِي أُقْطِعَهُ أَيَّامَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(وَلَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ (إقْطَاعُ غَيْرِ مَوَاتٍ تَمْلِيكًا وَانْتِفَاعًا لِلْمَصْلَحَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَجُوزُ الْإِقْطَاعُ مِنْ مَالِ الْجِزْيَةِ) الْمَعْرُوفِ فِي مِصْرَ بِالْجَوَالِي (كَمَا فِي الْإِقْطَاعِ مِنْ مَالِ الْخَرَاجِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ) أَيْ الْأَصْحَابِ (بِالْمَصْلَحَةِ) الَّتِي يَجُوزُ الْإِقْطَاعُ لِأَجْلِهَا (ابْتِدَاءً وَدَوَامًا فَلَوْ كَانَ ابْتِدَاؤُهُ) أَيْ الْإِقْطَاعِ (لِمَصْلَحَةٍ ثُمَّ فِي أَثْنَاءِ الْحَالِ فُقِدَتْ) الْمَصْلَحَةُ (فَلِلْإِمَامِ اسْتِرْجَاعُهَا) أَيْ الْأَرْضِ الَّتِي أَقْطَعَهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ.(وَلَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (إقْطَاعُ الْجُلُوسِ فِي الطَّرِيقِ الْوَاسِعَةِ وَفِي رِحَابِ الْمَسَاجِدِ الْمُتَّسِعَةِ غَيْرِ الْمَحُوطَةِ)؛ لِأَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ اجْتِهَادًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجُلُوسُ إلَّا فِيمَا لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ فَكَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُجْلِسَ فِيهَا (مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ فَيُحَرَّمُ) عَلَيْهِ أَنْ يُجْلِسَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ.(وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ الْمَقْطَعُ وَيَكُونُ) (أَحَقَّ بِالْجُلُوسِ فِيهَا) بِمَنْزِلَةِ السَّابِقِ إلَيْهَا بِلَا انْقِطَاعٍ، لَكِنْ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِنَقْلِ مَتَاعِهِ بِخِلَافِ السَّابِقِ (مَا لَمْ يَعِدْ الْإِمَامُ فِيهِ) أَيْ فِي إقْطَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ لَهُ اجْتِهَادًا فِي الْإِقْطَاعِ لَهُ اجْتِهَادٌ فِي اسْتِرْجَاعِهِ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّ رَحْبَةَ الْمَسْجِدِ لَوْ كَانَتْ مَحُوطَةً لَمْ يَجُزْ إقْطَاعُ الْجُلُوسِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَسْجِدِ (فَإِنْ لَمْ يُقْطِعْهَا) أَيْ الطَّرِيقَ الْوَاسِعَةَ وَرِحَابَ الْمَسْجِدِ غَيْرَ الْمَحُوطَةِ (الْإِمَامُ) أَحَدًا (فَلِمَنْ سَبَقَ إلَيْهَا الْجُلُوسُ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ سَبَقَ إلَى مَاءٍ لَمْ يَسْبِقْهُ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْأَمْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ عَلَى إقْرَارِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يُضَيِّقْ أَوْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ (وَيَكُونُ) السَّابِقُ إلَيْهَا (أَحَقَّ بِهَا وَلَوْ لَيْلًا مَا لَمْ يَنْقُلْ مَتَاعَهُ عَنْهَا) لِمَا سَبَقَ.(وَإِنْ أَطَالَ الْجُلُوسَ فِيهَا أُزِيلَ)؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُتَمَلِّكِ وَيَخْتَصُّ بِنَفْعٍ يُسَاوِيهِ فِيهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ قَامَ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ إزَالَتُهُ، وَإِنْ نَقَلَ مَتَاعَهُ كَانَ لِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهَا وَلَوْ لَمْ يَأْتِ اللَّيْلُ (وَإِنْ) نَقَلَ مَتَاعَهُ لَكِنْ (أَجْلَسَ غُلَامَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا لِيَحْفَظَ لَهُ الْمَكَانَ حَتَّى يَعُودَ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْمَتَاعَ فِيهِ) فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ.(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْجَالِسِ بِطَرِيقٍ وَاسِعٍ وَنَحْوِهِ (الْجُلُوسُ بِحَيْثُ يَمْنَعُ جَارَهُ رُؤْيَةَ الْمُعَامِلِينَ لِمَتَاعِهِ، أَوْ) يَمْنَعُ (وُصُولَهُمْ) أَيْ: الْمُعَامِلِينَ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى جَارِهِ (أَوْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى جَارِهِ (فِي كَيْلٍ، أَوْ وَزْنٍ أَوْ أَخْذٍ، أَوْ إعْطَاءٍ) لِحَدِيثِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (وَلَهُ) أَيْ: الْجَالِسِ بِطَرِيقٍ وَاسِعٍ أَوْ رَحْبَةِ مَسْجِدٍ غَيْرِ مَحُوطَةٍ (أَنْ يُظَلِّلَ عَلَى نَفْسِهِ فِيهَا بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ مِنْ بَارِيَّةٍ) أَيْ حَصِيرٍ.(وَكِسَاءٍ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ دِكَّةً وَلَا غَيْرَهَا) فِي الطَّرِيقِ وَلَوْ وَاسِعًا وَتَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ، وَلَا فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ.(فَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ إلَيْهَا) أَيْ: إلَى الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ أَوْ إلَى رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ غَيْرِ الْمَحُوطَةِ (أَوْ) سَبَقَ (إلَى خَانٍ مُسْبِلٍ، أَوْ سَبَقَ إلَى رِبَاطٍ، أَوْ) إلَى (مَدْرَسَةٍ، أَوْ) إلَى (خَانِكَاهْ) وَيُقَالُ: خَانْقَاهْ (وَلَمْ يَتَوَقَّفْ فِيهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الرِّبَاطِ وَالْمَدْرَسَةِ وَالْخَانِكَاهْ (عَلَى تَنْزِيلِ نَاظِرٍ) وَضَاقَ الْمَكَانُ عَنْ انْتِفَاعِ جَمِيعِهِمْ (أَقْرَعَ) لِأَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي السَّبَقِ وَالْقُرْعَةُ مُمَيِّزَةٌ.(وَمَنْ سَبَقَ إلَى مَعْدِنٍ مُبَاحٍ) غَيْرِ مَمْلُوكٍ (فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا يَنَالُهُ مِنْهُ) بَاطِنًا كَانَ الْمَعْدِنُ، أَوْ ظَاهِرًا لِحَدِيثِ «مَنْ سَبَقَ إلَى مَاءٍ لَمْ يَسْبِقْهُ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ» (وَلَا يُمْنَعُ) السَّابِقُ (مَا دَامَ آخِذًا) لِلْحَدِيثِ (وَلَوْ طَالَ) مَقَامُهُ.(وَ) قَالَ (فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: فَإِنْ أَخَذَ قَدْرَ حَاجَتِهِ وَأَرَادَ الْإِقَامَةَ فِيهِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْهُ مُنِعَ مَنْ ذَلِكَ) لِعَدَمِ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.(فَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى الْمَعْدِنِ الْمُبَاحِ (وَضَاقَ الْمَكَانُ عَنْ أَخْذِهِمْ جُمْلَةً أَقْرَعَ كَطَرِيقٍ) أَيْ كَمَا لَوْ سَبَقَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ إلَى طَرِيقٍ وَاسِعٍ وَضَاقَ عَنْ جُلُوسِهِمَا فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا كَمَا سَبَقَ.(وَإِنْ حَفَرَهُ) أَيْ الْمَعْدِنَ إنْسَانٌ مَنْ جَانِبٍ آخَرَ غَيْرَ الَّذِي حَفَرَ مِنْهُ السَّابِقُ (فَوَصَلَ إلَى النَّيْلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ السَّابِقِ (مَنْعُهُ)؛ لِأَنَّ حَقَّهُ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِمَا وَصَلَ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ.(وَمَنْ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ فَأَخَذَهُ مِثْلَ مَا يَنْبُتُ فِي الْجَزَائِرِ وَالرَّقَاقِ، وَكُلِّ مَوَاتٍ مِنْ الطَّرْفَاءِ وَالْقَصَبِ وَالشَّعْرِ، وَثَمَرِ الْجَبَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّبَاتَاتِ، أَوْ) سَبَقَ (إلَى صَيْدٍ وَلَوْ سَمَكًا، أَوْ) سَبَقَ إلَى عَنْبَرٍ وَحَطَبٍ وَثَمَرٍ مُبَاحٍ (وَلُؤْلُؤٍ وَمِرْجَانٍ وَنَحْوِهِ) كَمِسْكٍ وَعَسَلِ نَحْلٍ.(وَمَا يَنْبِذُهُ النَّاسُ رَغْبَةً عَنْهُ) كَعَظْمٍ بِهِ شَيْءٌ مِنْ لَحْمٍ رَغِبَ عَنْهُ، وَنُثَارٍ فِي عُرْسٍ وَنَحْوِهِ، وَمَا يَتْرُكُهُ الْحَصَّادُ مِنْ الزَّرْعِ وَاللُّقَّاطُ مِنْ الثَّمَرِ رَغْبَةً عَنْهُ (مَلَكَهُ) آخِذُهُ مُسْلِمًا كَانَ، أَوْ ذِمِّيًّا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (وَالْمِلْكُ مَقْصُورٌ فِيهِ عَلَى الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ) فَلَا يَمْلِكُ مَا لَمْ يَحُزْهُ وَلَا يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْهُ.(وَإِنْ سَبَقَ إلَيْهِ) أَيْ: الْمُبَاحِ (اثْنَانِ) فَأَكْثَرُ (قُسِمَ بَيْنَهُمَا) بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي السَّبَبِ وَالْقِسْمَةُ مُمْكِنَةٌ وَحَذَرًا مِنْ تَأْخِيرِ الْحَقِّ (وَلَوْ كَانَ الْآخِذُ لِلتِّجَارَةِ، أَوْ الْحَاجَةِ) أَيْ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَاجَةِ وَالتَّاجِرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالسَّبَبِ لَا بِالْحَاجَةِ.(وَلَا يَقْتَرِعَانِ) بَلْ يَقْتَسِمَانِ لِمَا سَبَقَ (وَكَذَا لَوْ سَبَقَ وَاحِدٌ) أَوْ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ (إلَى مَا ضَاعَ مِنْ النَّاسِ مِمَّا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ) أَيْ: هِمَّةُ أَوْسَاطِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ الِالْتِقَاطِ وَلَا يَحْتَاجُ لِتَعْرِيفٍ.(وَ) كَذَا مَنْ سَبَقَ إلَى (مَا يَسْقُطُ مِنْ الثَّلْجِ وَالْمَنِّ وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ) كَاللَّاذَنِ.(وَإِنْ سَبَقَ) إنْسَانٌ (إلَى لَقِيطٍ، أَوْ) إلَى لُقَطَةٍ، أَوْ سَبَقَ (إلَى طَرِيقٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) لِحَدِيثِ مَنْ سَبَقَ إلَخْ ((فَإِنْ رَأَى اللُّقَطَةَ) أَوْ اللَّقِيطَ (وَاحِدٌ وَسَبَقَ آخَرُ إلَى أَخَذِهَا)، أَوْ أَخَذَهُ أَيْ اللَّقِيطَ (فَهِيَ) وَهُوَ أَيْ اللَّقِيطُ (لِمَنْ سَبَقَ) لِلْحَدِيثِ (فَإِنْ) رَآهُمَا اثْنَانِ وَأَمَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِأَخْذِهَا)، أَوْ أَخَذَهُ (فَأَخَذَهَا)، أَوْ أَخَذَهُ.(وَنَوَاهُ) أَيْ الْآخِذُ (لِنَفْسِهِ فَهِيَ) أَيْ اللُّقَطَةُ، أَوْ اللَّقِيطُ (لَهُ) أَيْ: لِلْآخِذِ؛ لِأَنَّهُ السَّابِقُ وَقَدْ عَزَلَ نَفْسَهُ عَنْ التَّوْكِيلِ بِنِيَّةِ الْأَخْذِ لَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَأْخُذْهَا لِنَفْسِهِ فَاللُّقَطَةُ وَاللَّقِيطُ (لِمَنْ أَمَرَهُ) بِالْأَخْذِ لَهُ (فِي قَوْلِ) مَنْ يَقُولُ بِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِي الِالْتِقَاطِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ وَالْمَذْهَبُ لَا يَصِحُّ وَتَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاصْطِيَادِ..فَصْلٌ: في أَحْكَامِ الِانْتِفَاعِ بِالْمِيَاهِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ: فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الِانْتِفَاعِ بِالْمِيَاهِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ وَنَحْوِهَا (وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ فِي نَهْرٍ) صَغِيرٍ (غَيْرِ مَمْلُوكٍ كَمِيَاهِ الْأَمْطَارِ، وَ) كَ (الْأَنْهَارِ الصِّغَارِ وَازْدَحَمَ النَّاسُ فِيهِ) أَيْ: الْمَاءِ (وَتَشَاحُّوا فَلِمَنْ فِي أَعْلَاهُ) أَيْ: النَّهْرِ (أَنْ يَبْدَأَ) بِالسَّقْيِ (فَيَسْقِي) أَرْضَهُ.(وَيَحْبِسُ الْمَاءَ) بِهَا (حَتَّى يَصِلَ إلَى كَعْبِهِ ثُمَّ يُرْسِلُهُ إلَى مَنْ يَلِيهِ) فَيَسْقِي وَيَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى كَعْبِهِ، ثُمَّ يُرْسِلُهُ إلَى مَنْ يَلِيهِ فَيَفْعَلُ (كَذَلِكَ) وَهَلُمَّ جَرًّا (إلَى آخِرِهِمْ) لِحَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَضَى فِي شُرْبِ النَّخْلِ مِنْ السَّيْلِ أَنَّ الْأَعْلَى يَشْرَبُ قَبْلَ الْأَسْفَلِ، وَيَتْرُكُ الْمَاءَ إلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسِلُ الْمَاءَ إلَى الْأَسْفَلِ الَّذِي يَلِيهِ، وَكَذَلِكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَوَائِطُ، أَوْ يَفْنَى الْمَاءُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ وَمَعْنَاهُ قِصَّةُ الزُّبَيْرِ مَعَ الْأَنْصَارِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ.(فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْ الْمَاءِ مِنْ الْأَوَّلِ) شَيْءٌ (أَوْ) لَمْ يَفْضُلْ (عَمَّنْ يَلِيهِ) أَيْ الْأُوَلِ (شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لِلْبَاقِي) أَيْ لِمَنْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا فَضَلَ فَهُوَ كَالْعَصَبَةِ مَعَ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ فِي الْمِيرَاثِ.(الْمِيرَاثِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَرْضِ أَحَدِهِمْ مُسْتَقِلًّا وَ) كَانَ (بَعْضُهَا مُسْتَعْلِيًا سَقَى كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَى حِدَتِهَا) أَيْ انْفِرَادِهَا فَيَسْقِي الْأَعْلَى ثُمَّ يُرْسِلُ الْمَاءَ إلَى مَنْ يَلِيهِ، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْأَسْفَلِ فَيَسْقِيه لِمَا تَقَدَّمَ.(فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ) فَأَكْثَرُ (فِي الْقُرْبِ مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ اقْتَسَمَا الْمَاءَ بَيْنِهِمَا) عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ (إنْ أَمْكَنَ) قَسْمُهُ لِتُسَاوِيهِمَا فِي الْحَقِّ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ قَسْمُهُ بَيْنَهُمْ (أَقْرَعَ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لَا يَفْضُلُ عَنْ) سَقْيِ (أَحَدِهِمَا سَقَى الْقَارِعُ) أَوَّلًا (بِقَدْرِ حَقِّهِ مِنْ الْمَاءِ ثُمَّ يَتْرُكُهُ) أَيْ الْمَاءَ (لِلْآخَرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ بِجَمِيعِ الْمَاءِ لِمُسَاوَاةِ الْآخَرِ لَهُ) فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَاءِ (وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ لِلتَّقَدُّمِ) فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ لَا فِي أَصْلِ الْحَقِّ (بِخِلَافِ الْأَعْلَى مَعَ الْأَسْفَلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْأَسْفَلِ حَقٌّ إلَّا فِي الْفَاضِلِ عَنْ الْأَعْلَى) كَمَا تَقَدَّمَ.(وَإِنْ كَانَتْ أَرْضُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْضِ الْآخَرِ قُسِمَ الْمَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ) فَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا جَرِيبٌ وَلِلْآخَرِ جَرِيبَانِ مَثَلًا قُسِمَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِذِي الْجَرِيبِ ثُلُثٌ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَانِ وَهَكَذَا،؛ لِأَنَّ مَنْ أَرْضُهُ أَكْثَرُ مُسَاوٍ لِلْآخَرِ فِي الْقُرْبِ فَاسْتَحَقَّ جُزْءًا مِنْ الْمَاءِ فِي نَظِيرِ الزَّائِدِ.(وَلَوْ احْتَاجَ الْأَعْلَى إلَى الشُّرْبِ) أَيْ: سَقْيِ أَرْضَهُ (ثَانِيًا قَبْلَ انْتِهَاءِ سَقْيِ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ) إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ سَقْيُ الْأَرَاضِي لِيَحْصُلَ التَّعَادُلُ.(وَمَنْ سَبَقَ إلَى قَنَاةٍ لَا مَالِكَ لَهَا وَسَبَقَ آخَرُ إلَى بَعْضِ أَفْوَاهِهَا مِنْ فَوْقٍ أَوْ مِنْ أَسْفَلَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا سَبَقَ إلَيْهِ) لِحَدِيثِ «مَنْ سَبَقَ إلَى مَاءٍ لَمْ يَسْبِقْهُ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ».(وَلِمَالِكِ أَرْضٍ مَنْعُهُ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا) أَيْ: بِأَرْضِهِ (وَلَوْ كَانَتْ رُسُومُهَا) أَيْ الْقَنَاةِ (فِي أَرْضِهِ) فَلَا يَدْخُلُ الْمُحْيِي أَرْضَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ مِنْ دَلَالَةِ الرُّسُومِ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْمُحْيِيَ إنَّمَا يَمْلِكُ الْقَنَاةَ بِالْإِحْيَاءِ فَوُجُودُ الرُّسُومِ لَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْجَارِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ مِلْكِهِ ثَابِتٌ.(وَإِنَّهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ (لَا يَمْلِكُ) رَبُّ أَرْضٍ (تَضْيِيقَ مَجْرَى قَنَاةٍ فِي أَرْضِهِ خَوْفَ لِصٍّ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ مَجْرَاهَا (لِصَاحِبِهَا) أَيْ الْقَنَاةِ فَلَا يَتَصَرَّفُ غَيْرُهُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.(وَإِنْ كَانَ النَّهْرُ كَبِيرًا لَا يَحْصُلُ فِيهِ تَزَاحُمٌ كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ فَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَسْقِيَ مِنْهُ مَا شَاءَ مَتَى شَاءَ كَيْفَ شَاءَ)؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ.(فَإِنْ أَرَادَ إنْسَانٌ إحْيَاءَ أَرْضٍ يَسْقِيهَا مِنْهُ) أَيْ: مِنْ السَّيْلِ (أَوْ) يَسْقِيهَا (مِنْ غَيْرِ مَمْلُوكٍ تَجْرِي فِيهِ مِيَاهُ الْأَمْطَارِ وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى أَوَّلِ النَّهْرِ لَمْ يُمْنَعْ) أَيْ لَمْ يَمْنَعْهُ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي هَذَا الْمَاءِ مِنْ الْإِحْيَاءِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْمَاءِ لَا فِي الْمَوَاتِ (مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ) فَيَمْلِكُونَ مَنْعَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ.(وَلَا يَسْقِي) مَنْ أَحْيَا بَعْدَهُمْ (قَبْلَهُمْ)؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ أَسْبَقُ؛ وَلِأَنَّ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَهَا بِحُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا فَلَا يَمْلِكُ غَيْرُهُ إبْطَالَ حُقُوقِهَا، وَسَبْقُهُمْ إيَّاهُ بِالسَّقْيِ مِنْ حُقُوقِهَا (وَلَوْ أَحْيَا سَابِقٌ فِي أَسْفَلِهِ) أَيْ: النَّهْرِ الصَّغِيرِ (ثُمَّ) (أَحْيَا آخَرُ فَوْقَهُ ثُمَّ) أَحْيَا (ثَالِثٌ فَوْقَ الثَّانِي سَقَى الْمُحْيِي أَوَّلًا ثُمَّ) سَقَى (الثَّانِي ثُمَّ) سَقَى (الثَّالِثُ)؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ السَّبْقُ إلَى الْإِحْيَاءِ لَا إلَى أَوَّلِ النَّهْرِ.(وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ بِنَهْرٍ مَمْلُوكٍ كَحَفْرِ نَهْرٍ صَغِيرٍ سِيقَ الْمَاءُ إلَيْهِ مِنْ نَهْرٍ كَبِيرٍ فَمَا حَصَلَ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ مِلْكٌ) لِلْحِيَازَةِ (فَلَوْ كَانَ) النَّهْرُ (لِجَمَاعَةٍ فَ) الْمَاءُ (بَيْنَهُمْ) عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ فِي النَّهْرِ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى حَسَبِ الْعَمَلِ وَالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مُلِكَ بِالْعِمَارَةِ وَالْعِمَارَةُ بِالنَّفَقَةِ وَالْعَمَلِ (فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمْ) الْمَاءُ (وَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ جَازَ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ.(وَإِلَّا) أَيْ لَمْ يَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ (قَسَمَهُ الْحَاكِمُ) بَيْنَهُمْ (عَلَى قَدْرِ مُلْكِهِمْ) أَيْ قَسَمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَاءِ بِقَدَرِ مَا يَمْلِكُ مِنْ النَّهْرِ (فَتُؤْخَذُ خَشَبَةٌ، أَوْ حَجَرٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ فَتُوضَعُ عَلَى مَوْضِعٍ مُسْتَوٍ مِنْ الْأَرْضِ فِي مَصَدِّ الْمَاءِ فِيهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الْخَشَبَةِ أَوْ الْحَجَرِ (حُزُوزٌ أَوْ ثُقُوبٌ مُتَسَاوِيَةٌ فِي السَّعَةِ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ يُخْرَج مَنْ كُلِّ حَزٍّ، أَوْ ثُقْبٍ إلَى سَاقِيَةٍ مُفْرَدَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَإِذَا حَصَلَ الْمَاءُ فِي سَاقِيَتِهِ انْفَرَدَ بِهِ) فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا أَحَبَّ؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِمِلْكِهِ (فَإِنْ كَانَتْ أَمْلَاكُهُمْ) مُسْتَوِيَةً فَوَاضِحٌ وَإِنْ كَانَتْ (مُخْتَلِفَةً قُسِمَ) الْمَاءُ (عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ) أَيْ: أَمْلَاكِهِمْ (فَإِنْ كَانَ لِأَحَدٍ نِصْفُهُ وَلِلثَّانِي ثُلُثُهُ وَلِلثَّالِثِ سُدُسُهُ جَعَلَ فِيهِ سِتَّةَ ثُقُوبٍ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةُ) ثُقُوبٍ (تَصُبُّ فِي سَاقِيَتِهِ: وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنَانِ) يَصُبَّانِ فِي سَاقِيَتِهِ (وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ وَاحِدٌ) يَصُبُّ فِي سَاقِيَتِهِ.(فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يُجْرِيَ مَاءَهُ فِي سَاقِيَةِ غَيْرِهِ لِيُقَاسِمَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ) لَهُ ذَلِكَ (بِغَيْرِ رِضَاهُ)؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي سَاقِيَتِهِ وَيُخَرِّبُ حَافَّتَهَا وَيَخْلِطُ حَقَّهُ بِحَقِّ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ.(وَمَا حَصَلَ لِأَحَدِهِمْ فِي سَاقِيَتِهِ تَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا أَحَبَّ مِنْ عَمَلِ رَحًى عَلَيْهَا) أَيْ السَّاقِيَةِ (أَوْ) عَمَلِ (دُولَابٍ، أَوْ عَبَّارَةٍ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ (وَهِيَ خَشَبَةٌ تُمَدُّ عَلَى طَافِي النَّهْرِ، أَوْ) عَمَلِ (قَنْطَرَةٍ يَعْبُرُ الْمَاءُ عَلَيْهَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ)؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ لَا حَقّ لِغَيْرِهِ فِيهَا.(وَأَمَّا النَّهْرُ الْمُشْتَرَكُ) بَيْنَ جَمَاعَةٍ (فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَتَصَرَّف فِيهِ بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا أَحَبَّ (فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ (فَتْحُ سَاقِيَةٍ إلَى جَانِبِهِ) أَيْ النَّهْرِ (قَبْلَ الْمَقْسِمِ) بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ: مَوْضِعِ الْقَسْمِ وَهُوَ الْحَجَرُ أَوْ الْخَشَبَةُ الَّتِي بِهَا الثُّقُوبُ (يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهَا وَلَا أَنْ يَنْصِبَ عَلَى حَافَتَيْ النَّهْرِ رَحًى تَدُورُ بِالْمَاءِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ (؛ لِأَنَّ حَرِيمَ النَّهْرِ مُشْتَرَكٌ فَلَمْ يُمْلَكْ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ.تتمة:نَقَلَ يَعْقُوبُ فِيمَنْ غَصَبَ حَقَّهُ مِنْ مَاءٍ مُشْتَرَكٍ لِلْبَقِيَّةِ أَخْذُ حَقِّهِمْ.(وَإِذَا اقْتَسَمُوا مَاءَ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ بِالْمُهَايَأَةِ وَكَانَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَعْلُومًا مِثْلَ أَنْ يَجْعَلُوا لِكُلِّ حِصَّةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً، أَوْ لِوَاحِدٍ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ، وَلِلْآخَرِ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) جَازَ (أَوْ اقْتَسَمُوهُ بِالسَّاعَاتِ وَأَمْكَنَ ضَبْطُ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ جَازَ إذَا تَرَاضَوْا بِهِ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَتَجَاوَزُهُمْ.(وَتَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ لَوْ احْتَاجَ النَّهْرُ) الْمُشْتَرَكُ (وَنَحْوُهُ إلَى عِمَارَةٍ، أَوْ كَرْيٍ) أَيْ تَنْظِيفٍ وَأَنَّهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ بِحَسَبِ أَمْلَاكِهِمْ وَمَنْ سَدَّ لَهُ مَاءً لِجَاهِهِ فَلِغَيْرِهِ السَّقْيُ مِنْهُ لِحَاجَةٍ مَا لَمْ يَكُنْ تَرْكُهُ يَرُدُّهُ عَلَى مَنْ سَدَّ عَنْهُ.(وَمَنْ تَرَكَ دَابَّةً بِمَهْلَكَةٍ أَوْ) بِ (فَلَاةٍ لِعَجْزِهِ عَنْ عَلَفِهَا أَوْ) تَرْكَهَا بِهِمَا (لِانْقِطَاعِهَا) أَيْ: عَجْزِهَا عَنْ الْمَشْيِ (وَيَأْسِهِ مِنْهَا مَلَكَهَا مُسْتَنْقِذُهَا نَصًّا) لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ مَرْفُوعًا «مَنْ وَجَدَ دَابَّةً عَجَزَ عَنْهَا أَهْلُهَا، فَسَيَّبُوهَا، فَأَخَذَهَا، فَأَحْيَاهَا فَهِيَ لَهُ» قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ: يَعْنِي: لِلشَّعْبِيِّ مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا قَالَ: غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءً لَهَا، وَإِنْقَاذًا مِنْ الْهَلَاكِ، وَصَوْنًا لِلْمَالِ عَنْ الضَّيَاعِ، وَحِفْظًا لِحُرْمَةِ الْحَيَوَانِ.(لَا) إنْ أَخَذَ (عَبْدًا أَوْ مَتَاعًا تَرَكَهُ) رَبُّهُ (عَجْزًا) عَنْهُ فَلَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ، اقْتِصَارًا عَلَى صُورَةِ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ يُمْكِنُهُ فِي الْعَادَةِ التَّخَلُّصَ إلَى الْأَمَاكِنِ الَّتِي يَعِيشُ بِهَا، وَالْمَتَاعُ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ كَالْخَشْيَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ فَإِنَّ الْحَيَوَانَ يَمُوتُ إذَا لَمْ يُطْعَمْ، وَيُسْقَى، وَتَأْكُلُهُ السِّبَاعُ، وَالْمَتَاعُ يَبْقَى.(وَلَا مَا أُلْقِيَ فِي الْبَحْرِ خَوْفًا مِنْ الْغَرَقِ) فَلَا يَمْلِكُهُ آخِذُهُ قَالَ الْحَارِثُ نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ آخِذُهُ قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ، وَالْمُنْتَهَى، وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي اللُّقَطَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ.(أَوْ انْكَسَرَتْ السَّفِينَةُ السَّفِينَةُ وَأَخْرَجَهُ) أَيْ: الْمَتَاعَ الَّذِي كَانَ فِيهَا (قَوْمٌ) فَلَا يَمْلِكُونَهُ (فَيَرْجِعُ آخِذُهُ) أَيْ: الْعَبْدُ عَلَى رَبِّهِ (بِنَفَقَةٍ وَاجِبَةٍ وَ) بِ (أُجْرَةِ حَمْلِ مَتَاع) وَإِنْقَاذِ الْعَبْد أَوْ الْمَتَاعِ مِنْ الْبَحْرِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ رَبُّهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِعَالَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَثًّا، وَتَرْغِيبًا فِي إنْقَاذِ الْأَمْوَالِ مِنْ الْهَلَكَةِ.(، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ)، وَفِي نُسَخٍ: أَنْ يُحْيِيَ، وَالْأَوَّلُ الصَّوَابُ كَمَا فِي الْمُقْنِعِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ كَلَامِهِ (أَرْضَ مَوَاتٍ لِرَعْيِ دَوَابِّ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَقُومُ بِحِفْظِهَا مِنْ الصَّدَقَةِ، وَالْجِزْيَةِ، وَدَوَابِّ الْغُزَاةِ، وَ) رَعْيِ (مَاشِيَةِ الضُّعَفَاءِ عَنْ الْبُعْدِ لِلرَّعْيِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ «الْمَالُ مَالُ اللَّهِ، وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ، وَاَللَّهِ لَوْلَا مَا أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ مِنْ الْأَرْضِ شِبْرًا فِي شِبْرٍ» رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ الظَّهْرِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ عُثْمَانَ حَمَى، وَاشْتَهَرَ، وَلَمْ يُنْكَرْ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (لَيْسَ ذَلِكَ) أَيْ: الْحِمَى (لِغَيْرِهِ) أَيْ: الْإِمَامِ لِقِيَامِ الْإِمَامِ مَقَامَ الْمُسْلِمِينَ، فِيمَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِهِمْ دُونَ غَيْرِهِ.غَيْرِهِ وَمَا حَمَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَوْ غَيْرِهِمْ (نَقْضُهُ نَقْضُهُ وَلَا تَغْيِيرُهُ) لَا (مَعَ بَقَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَ) لَا مَعَ (عَدَمِهَا، وَلَا إحْيَاؤُهُ فَإِنْ أَحْيَاهُ لَمْ يَمْلِكْهُ)؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ، (وَكَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَطْ) دُونَ غَيْرِهِ (أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ) لِقَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَلَاحَهُ يَعُودُ إلَى صَلَاحِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَالُهُ كَانَ يَرُدُّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ فَفَارَقَ الْأَئِمَّةُ فِي ذَلِكَ، وَسَاوَوْهُ فِيمَا كَانَ صَلَاحُهُ لِلْمُسْلِمِينَ (وَلَمْ يَفْعَلْ) أَيْ: لَمْ يَحْمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا حَمَى لِلْمُسْلِمِينَ، فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ «حَمَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ» رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَالنَّقِيعُ بِالنُّونِ مَوْضِعٌ يُنْتَقَعُ فِيهِ الْمَاءُ فَيَكْثُرُ فِيهِ الْخِصْبُ.(وَمَا حَمَاهُ غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ الْأَئِمَّةِ جَازَ لَهُ) أَيْ: لِذَلِكَ الْحَامِي نَقْضُهُ (وَ) جَازَ (لِلْإِمَامِ غَيْرُهُ نَقْضُهُ)؛ لِأَنَّ حِمَى الْأَئِمَّة اجْتِهَادٌ فِي حِمَاهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ دُونَ غَيْرِهَا (وَ) يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ (يَمْلِكُهُ مُحْيِيهِ)؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْأَرْضِ بِالْأَحْيَاءِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَالنَّصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ.(وَلَيْسَ لِلْأَئِمَّةِ أَنْ يَحْمُوا لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ».(وَمَنْ أَخَذَ مِمَّا حَمَاهُ إمَامٌ عُزِّرَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ) لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَام (وَظَاهِرُهُ: وَلَا ضَمَانَ) عَلَى مَنْ أَخَذَ مِمَّا حَمَاهُ الْإِمَامُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَالْمَنْعُ مِنْ حَيْثُ الِافْتِيَاتُ فَقَطْ.وَلَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَرْبَابِ الدَّوَابِّ عِوَضًا عَنْ مَرْعَى مَوَاتٍ أَوْ حِمًى؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَّكَ النَّاسَ فِيهِ قَالَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ الْحِمَى لِكَافَّةِ النَّاسِ تَسَاوَى فِيهِ جَمِيعُهُمْ فَإِنْ خَصَّ بِهِ الْمُسْلِمِينَ اشْتَرَكَ فِيهِ غَنِيُّهُمْ، وَفَقِيرُهُمْ، وَمُنِعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ، وَإِنْ خُصَّ بِهِ الْفُقَرَاءُ مُنِعَ مِنْهُ الْأَغْنِيَاءُ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ الْأَغْنِيَاءُ، وَلَا أَهْلُ الذِّمَّةِ.
|